حصاد الحريات 2022 بتونس.. "ثورة الياسمين" تبحث عن أهدافها في الذكرى الـ12 لاندلاعها
حصاد الحريات 2022 بتونس.. "ثورة الياسمين" تبحث عن أهدافها في الذكرى الـ12 لاندلاعها
لا يزال المشهد في تونس غير مستقر، رغم مرور أكثر من 11 عاما على "ثورة الياسمين" والتي نادت بالحرية والعدالة والديمقراطية، وطالبت بتعزيز حقوق الإنسان، إلا أن الكثير من المتغيرات التي طرأت على البلاد حالت دون وصولها للمشهد الكامل الذي يتمناه شعب تونس.
البعض يرى أن أوضاع حقوق الإنسان في تونس تحتاج للمزيد من القوانين والتشريعات المحلية، بجانب تطبيق القوانين الدولية التي وافقت عليها تونس وأكدت التزامها بها.
ومؤخرا، أفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية، بأنه "تم تفكيك الضمانات المؤسساتية لحماية حقوق الإنسان بالكامل تقريبًا، وفقد القضاء الضمانات الواجبة للحفاظ على استقلاليته، واستهدفت المحاكم العسكرية بشكل متزايد منتقدي الرئيس قيس سعيد، في حين تقلّص الحق في حرية التعبير مع الملاحقة القضائية لما لا يقل عن 29 معارضًا بارزًا بتهم زائفة"، بحسب وصف المنظمة.
وعلّق الرئيس سعيّد عمل البرلمان، وأقال رئيس الوزراء وهيمن على السلطة التنفيذية، مستندًا إلى سلطات الطوارئ التي قال إنها مُنحت له بموجب الدستور.
وقبيل حلول الذكرى الـ12 لاندلاع ثورة الياسمين، تخطو تونس خطوة جديدة تجاه ما يصفها الرئيس قيس سعيد بجمهورية جديدة، بانتخاب مجلس جديد للنواب في 17 ديسمبر الجاري.
يأتي ذلك بعد إقرار دستور جديد جرى الاستفتاء عليه في 25 يوليو 2022، عقب تجميد الرئيس سعيد المسار السياسي في البلاد، وحل البرلمان المنتخب، وإزاحة دستور عام 2014.
وترى القوى المعارضة أن خطوات سعيد ما هي إلا تأسيس لدكتاتورية جديدة واقتداء بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وسط أجواء من التوتر السياسي والتأزم الاقتصادي والاجتماعي.
من ناحية أخرى، ارتفع معدل التضخم السنوي في تونس 2022، إلى مستوى قياسي عند 9.8% نوفمبر، من 9.2% في أكتوبر وهو الأعلى منذ أكثر من 3 عقود، بحسب بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
وجاء هذا الارتفاع مدفوعا بزيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 15.1% وأسعار مواد البناء بنسبة 10% والملابس والأحذية بنسبة 9.5%، ووسط توقعات بأن البنك المركزي قد يرفع أسعار الفائدة الرئيسية مرة أخرى.
"جسور بوست" ترصد وضع حقوق الإنسان داخل تونس عام 2022
العنف ضد المرأة
عقب ثورة الياسمين، بدأت
الكثير من المجتمعات تنظر لدولة تونس على أنها "البوصلة"، ودائمًا ما
كانت الإجابة تونس، إلا أن وضع المرأة هناك لم يعد يبشر بخير.
وخلال السنوات الماضية،
ارتفعت ظاهرة العنف ضد المرأة ما دفع السلطات الرسمية إلى التحرك من أجل وضع
استراتيجية للحد من هذا السلوك، وبحسب دراسة رسمية، ارتفعت الشكاوى المتعلقة
بالعنف ضد المرأة منذ مطلع عام 2022 إلى نحو 796 حالة، والفئة العمرية الأكثر
استهدافاً تراوح بين 30 و39 سنة.
يشار إلى أن المرصد الوطني
لمناهضة العنف ضد المرأة (مؤسسة حكومية) كشف عن أنه سجل خلال شهر أكتوبر 2022
ارتفاعاً بنسبة 85% في حالات العنف الزوجي، وذلك من خلال "الخط الأخضر"
التابع لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن المخصص بهدف التبليغ عن حالات
العنف.
وفي هذا الصدد، قالت وزيرة
الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى، إن "عدد حالات العنف
الزوجي في ارتفاع"، داعية عبر بيان إعلامي إلى "استنفار جماعي يشمل
هياكل الدولة والمجتمع المدني ومؤسسات الإعلام للتصدي للظاهرة وتداعياتها الخطرة
على المجتمع".
وأكدت "بلحاج"
التزام وزارتها بمواصلة التصدي الاستراتيجي للعنف ضد المرأة، من خلال سلسلة
الإجراءات والتدابير التي تم إقرارها بهدف التعريف بالقانون رقم 58 المتعلق
بالقضاء على العنف ضد المرأة وإنفاذ أحكامه.
وأعلنت الوزيرة قرار إحداث
خط تمويل خاص بمقاومة العنف ضد المرأة في موازنة عام 2023، وأقرت أنه "على
الرغم من الدور المهم الذي تلعبه المرأة التونسية اجتماعياً واقتصادياً، وبرغم
المكتسبات القانونية المهمة التي تكرس حمايتها من شتى أنواع الاعتداءات، ما زالت
ظاهرة العنف الأسري والزوجي تشهد ارتفاعاً ملاحظاً، بالذات في المناطق الداخلية
المهمشة".
في هذا الإطار، تم إنشاء 4
مراكز إيواء للنساء ضحايا العنف، وارتفع عدد المراكز الخاصة بإيواء المعنفات من
مركزين فقط بطاقة استيعاب تبلغ 40 سريراً إلى 7 مراكز بطاقة استيعاب تصل إلى قرابة
90 سريراً وباعتمادات مرصودة لعامي 2021 و2022 تقدر بـ150 ألف دولار.
ضعف تمثيل المرأة في الحياة
السياسية
ومجددا، طفا الجدل حول تمثيل
المرأة في الحياة السياسية بتونس على السطح مع غلق باب الترشح للانتخابات
التشريعية 2022، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد ملفات الترشح
التي بلغت 1429 ملفا، منها 214 فقط لنساء.
وهللت جمعيات ومنظمات نسوية فيما مضى بتعيين نجلاء بودن أول امرأة تونسية وعربية تتقلد منصب رئاسة الحكومة، إلا أن هذا التعيين لم يكن في مستوى تطلعاتها، حيث أثارت نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية المنتظرة في ديسمبر الحالي حفيظتها، وصدرت بيانات تنادي بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة السياسية، خاصة بعد صدور القانون الانتخابي الجديد.
وأرجعت رئيسة الاتحاد الوطني
للمرأة التونسية، راضية الجربي، انخفاض نسبة مشاركة المرأة إلى ضرب مبدأ التناصف
في القانون الانتخابي الجديد، مؤكدة أن تمثيل المرأة في البرلمان القادم سيكون
الأقل، سواء قبل الثورة أو بعدها.
انتكاسة لحقوق الإنسان
حالة من الجدل سادت
الحياة السياسية في تونس 2022، بسبب ما وصفوه باعتماد تونس دستورًا معيبًا جديدًا
يفكك أو يهدد الضمانات المؤسساتية الرئيسية لحقوق الإنسان.
تعقيبًا، قالت مديرة المكتب
الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية هبة مرايف،
"إنه لمن دواعي القلق العميق أنَّ تونس اعتمدت دستورًا جديدًا يقوّض حقوق
الإنسان ويعرض التقدم المحرز في هذا المجال منذ ثورة 2011 للخطر".
وأضافت في تصريحات إعلامية، "يُفكك الدستور الجديد العديد من الضمانات لاستقلال القضاء، ويزيل الحماية عن المدنيين من المحاكمات العسكرية، ويمنح السلطات سلطة تقييد حقوق الإنسان أو التراجع عن الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان باسم الدين، هذا الدستور الجديد، الذي حلَّ الآن محل دستور عام 2014، تمت صياغته خلف أبواب مغلقة من خلال مسار هيمن عليه الرئيس قيس سعيّد بالكامل".
لم يتم إطلاع الشعب التونسي
بأي درجة من الشفافية على سبب تصميم المسار بهذه الطريقة، ولا الأسباب الموجبة
لاستبدال دستور 2014.
ويأتي هذا بعد عام واحد من
هيمنة الرئيس قيس سعيّد على السلطة، وحل مجلس النواب الذي كانت تسيطر على غالبيته
جماعة الإخوان المسلمين.
يشار إلى أن ثمة استفتاء
أجري على الدستور الجديد بتونس في يوليو 2022، وقد تمّ تمريره بمعدل مشاركة منخفض
يساوي 30,5% ودخل حيّز التنفيذ، ويحل محل الدستور الذي اعتمده المجلس الوطني
التأسيسي التونسي في 2014 من خلال عملية شاملة وشفافة لمدة عامين تضمنت ضمانات
قوية لحقوق الإنسان.
قوارب الموت
لا يكاد يمر يوم دون إعلان
السلطات التونسية عن إحباط محاولات الهجرة غير الشرعية، وإنقاذ العديد من الحالمين
بالهجرة من الموت غرقا في عرض البحر أثناء محاولاتهم الوصول إلى جزيرة
"لامبيدوزا" الإيطالية.
وفي 2022، عاشت تونس على وقع فاجعة غرق قوارب صيد كثيرة كان منها قارب على متنه عدد من أبناء مدينة جرجيس بجنوب شرق تونس، كانوا يحاولون التسلل خلسة إلى السواحل الإيطالية في عملية هجرة غير شرعية تكررت بشكل لافت خلال العام الجاري.
وتكررت عمليات انتشال جثث
لمهاجرين غير شرعيين في تونس، مع تصاعد محاولات الهجرة غير الشرعية انطلاقا من
السواحل التونسية الممتدة على طول 1300 كيلومتر، نحو السواحل الإيطالية بمشاركة
تونسيين ومن جنسيات إفريقية أخرى.
ودعا الرئيس التونسي قيس
سعيد، في أكتوبر 2022، إلى التصدي لظاهرة "قوارب الموت" والقضاء على
أسبابها، وذلك في إشارة إلى الهجرة غير الشرعية، فيما جدد التأكيد أنه سيواصل نفس
النهج الذي بدأه لإنقاذ الشعب وإعادة المجد للبلاد.
مشكلات المياه
دعا خبير أممي الحكومة
التونسيّة إلى ضرورة أن تحسّن إدارة شبكة المياه، وأن تضع حدّا للاستغلال المفرط
لطبقات المياه الجوفيّة في البلاد، وهما مسألتان تتنامى أهميتهما في سياق التغيرات
المناخيّة إلى جانب الحاجة إلى ضمان حصول الجميع على مياه نظيفة.
مقرر الأمم المتحدة الخاص
المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي،
بيدرو أروخو-أغودو، قام بزيارة إلى تونس في الفترة من 18-29 يوليو.
وأضاف في بيان: "لا
يمكن لندرة المياه أن تبرّر عدم الامتثال لحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب
المأمونة وخدمات الصرف الصحي.
ينبغي على الحكومة التونسيّة
أن تمنح الأولويّة لمياه الشرب مع الاحتفاظ بأعلى جودة مياه متاحة للناس، بغض
النظر عن مدى الربح الذي قد تحقّقه استعمالات أخرى كالريّ الزراعي لأغراض التجارة
أو استخراج الفوسفات".
وشدد على ضرورة أن تضع
الحكومة التونسيّة حدّا للاستغلال المفرط لطبقات المياه الجوفيّة كخطوة نحو
التأقلم مع التغيرات المناخيّة، إلى جانب مكافحة وغلق الآبار غير القانونيّة التي
يتزايد عددها، والتحكّم في استخراج المياه من خلال فرض استخدام العدّادات.
وأضاف أنّ "طبقات
المياه الجوفيّة هي رئة الطبيعة المائيّة، وتجب إدارتها كاحتياطات استراتيجيّة
لمواجهة حالات الجفاف غير العاديّة التي تميل لأن تصبح أكثر طولا
وشدة".
الصرف الصحي
خطت الحكومة خطوات في اتجاه
تحسين شبكات الصرف الصحّي في المناطق الحضريّة، في وقت بقيت فيه المناطق الريفيّة
دون دعم ويواجه سكانها الإمدادات الملوّثة.
وعبّرت الأمم المتحدة عن
قلقها إزاء التسرّبات التي تؤدّي إلى الانقطاعات المتكرّرة ودخول مواد ملوّثة إلى
الشبكات بما يؤثر على صلاحية مياه الشرب، داعية السلطات إلى وضع خطّة لتجديد
الشبكات.
واقترحت في تقرير لها، توفير
كميات قليلة من مياه الشرب الآمنة لصالح المجتمعات المحليّة الريفيّة والمدارس
بشكل أسبوعي، لمنع تفشي الأمراض ولعدم دفعهم لشراء الماء من الأسواق.
ودعت إلى بلورة عمليّة اللامركزيّة بشكل تلعب فيه البلديّات دورا متزايد الأهميّة في الخدمات المتعلّقة بالمياه والصرف الصحّي.
المعارضة والمحاكمات العسكرية
حذرت مفوضية حقوق الإنسان من أن التطورات التي حدثت في تونس خلال 2022، أدت إلى تعميق المخاوف الجدية بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد. وأعربت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان، ليز ثروسيل، عن القلق إزاء ما وصفته بخنق المعارضة في تونس، بما في ذلك من خلال الاستخدام غير السليم لتشريعات مكافحة الإرهاب، والاستخدام المتزايد للمحاكم العسكرية لمحاكمة مدنيين، "الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن الإدارة المنصفة والحيادية والمستقلة للعدالة، يجب أن تتماشى أي خطوات في هذا المجال مع التزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان".
أضرار مناخية
قالت الإعلامية التونسية
نهال محمد، إن تونس تعاني منذ سنوات من ارتفاع درجات الحرارة وتراجع تساقط
الأمطار، ما جعل الفلاحين يواجهون صعوبات مستمرة أثرت على المحاصيل بشكل لافت، ما
كبدهم خسائر عظيمة، الأمور تفاقمت في 2022، وسط غياب برامج حكومية رسمية قادرة على
مواجهة ذلك.
وأضافت نهال في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، لم تعطِ الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية الأهمية التي تستحقها هذه الكارثة، وإلى الآن لا توجد خطة لمشاريع كبرى تهدف لتجاوز الأزمة، هذه المشاكل بالضرورة لها انعكاسات حادة على اقتصاد البلاد، سواء في تأمين الأمن الغذائي الذي سبق وأن صرحت في إطاره وزارة البيئة في نوفمبر 2022 وأكدت أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية.
وتابعت،
يتوقع أن يتسبب الجفاف في نقص محاصيل الحبوب لتبلغ مليون هكتار فقط خلال 2030،
أيضا سينتج عن هذا العجز تأثر النشاط الزراعي، ما سيتسبب في ارتفاع نسب البطالة
وفقدان الفلاحين والعاملين موارد رزقهم.
أطفال
الرعاية
يرى
المهتمون بشؤون الأسرة ورعاية الأطفال فاقدي السند في تونس، أن ارتفاع أرقام الفشل
المدرسي بين أطفال مؤسسات الرعاية، يبيّن بما لا يدع مجالا للشك فشل المنظومة
التونسية لرعاية الأطفال المهددين.
وتقول الأخصائية النفسية والاجتماعية التونسية، سكينة وسلاتي، إنه ثمة صعوبات في إدماج الأطفال "بالمراكز المندمجة للطفولة" وفي حين يجتهد المسؤولون عن الأطفال ورعايتهم وتعويض الأم والأب، إلا أن هناك عوائق حقيقية نفسية واجتماعية في تعويض العائلة.
وتضيف في تصريحات خاصة
لـ"جسور
بوست"،
لتوضح مكانة العائلة لدى الطفل داخل دور الرعاية، فإننا نقوم باختبارات نفسية تبرز
أن أجوبة أطفال المراكز المندمجة وأمنياتهم تتمحور أساسا حول العائلة والوالدين،
كما يعاني الطفل ويبقى مشتتا بين عائلته ومحيطه ومؤسسة الرعاية التي تؤويه، مشيرة
إلى أن الفشل الدراسي لأغلب الأطفال، إذا ما استثنينا فاقدي السند تماما والأطفال
الفقراء، يعطي الدليل على فشل المقاربة الحالية لرعاية الطفولة.
وأتمت
الخبيرة الاجتماعية، أن نجاح عملية الرعاية النفسية وبناء شخصية متوازنة للطفل،
رهين بإعادة النظر في علاقة العائلة بمؤسسة الرعاية.